الحروب وآثارها المدمّرة على الشعوب
خالد بهلوي
تُعد الحروب من أكثر الظواهر البشرية تدميراً، حيث لا تقتصر آثارها على ساحة المعركة أو الأطراف المتحاربة، بل تمتد لتطال حياة الشعوب واقتصادها ونفسيتها، وتخلّف وراءها آثارا عميقة قد تستمر لعقود بعد توقف القتال.
تندلع الحروب لأسباب مختلفة، أهمها الأطماع الاقتصادية للسيطرة ونهب خيرات الشعوب، خاصة النفط في منطقة الشرق الأوسط، حيث يحاول كل طرف الظهور بمظهر الضحية، مدعيا الدفاع عن استقلال وطنه ضد الطرف الآخر.
وقد أدت الحروب، كالحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى فقدان الملايين من الأرواح، إضافة إلى الحروب القبلية والإقليمية التي لا تزال مستمرة، وتشهدها العديد من الدول، وآخرها الحرب التي انتهت بين إيران وإسرائيل بإشراف وقرار من الرئيس الأميركي، الذي أطلق الضوء الأخضر لبدئها، ثم الأحمر لإنهائها بعد أن دمرت الاقتصاد والمدن.
أوضح أثر للحروب هو الخسائر البشرية. فالحروب تحصد أرواح الملايين من المدنيين والعسكريين على حد سواء. وغالبا ما يكون المدنيون، خصوصا النساء والأطفال، هم الأكثر تضررا من النزاعات المسلحة، بسبب القصف العشوائي، المجاعات، والأمراض التي تنتشر في ظل انعدام الأمن والخدمات الأساسية.
كما تؤدي الحروب إلى موجات هائلة من النزوح واللجوء، حيث يضطر الملايين إلى مغادرة بيوتهم بحثا عن الأمان.
تدمّر الحروب البنى التحتية الحيوية مثل الطرق، والمستشفيات، وشبكات الكهرباء والماء، ما يؤدي إلى شلل في الاقتصاد. تنخفض مستويات الإنتاج، وتنهار قيمة العملة، وتزداد معدلات الفقر والبطالة. كما تنقطع الاستثمارات الخارجية وتتراجع السياحة والصادرات، مما يضعف الدولة ويطيل أمد التعافي بعد الحرب.
تؤثر الحروب أيضا على التعليم، حيث تُغلق المدارس أو تُدمّر، ويُحرم الأطفال من حقهم في التعلم، ما يؤدي إلى جيل يعاني من الجهل ويواجه صعوبات في بناء مستقبل أفضل.
تُحدث الحروب تصدعا عميقا في النسيج الاجتماعي. تنقسم المجتمعات إلى فئات متنازعة، وتنهار الثقة بين أفراد الشعب وحتى داخل الأسرة الواحدة أحيانا. كما تزداد معدلات الجريمة والانحراف نتيجة الفقر والبطالة وانعدام الاستقرار.
لا تقل الآثار النفسية للحروب خطورة عن باقي الأضرار، إذ يعاني كثير من الناس، وخاصة الأطفال والنساء، من اضطرابات ما بعد الصدمة، القلق، الاكتئاب، والشعور المستمر بعدم الأمان.
غالبا ما تمتد آثار الحرب إلى الأجيال اللاحقة. فالأطفال الذين نشأوا في بيئة عنف وفقد وتعليم منقطع قد يواجهون صعوبات في النمو النفسي والاجتماعي. كما ترث الأجيال القادمة تحديات اقتصادية واجتماعية عميقة نتيجة تدمير مقومات التنمية أثناء الحرب.
تحتاج المجتمعات بعد الحرب إلى جهود كبيرة في الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة الأفراد على التعافي وإعادة الاندماج في الحياة الطبيعية.
رغم وجود الكثير من القوانين التي تحفظ حقوق الإنسان، يتم خرق هذه القوانين من قبل الدول القوية دون محاسبة، مما يفتح الباب أمام تدخلات خارجية تسعى إلى استغلال حالات الحروب، سواء كانت نزاعات داخلية بين قوى متصارعة على المناصب والامتيازات، أو حروب خارجية.
ومن أبشع جرائم الحروب ما ارتكبته الأنظمة المستبدة، مثل عملية الأنفال التي تم خلالها دفن 182 ألف من الأطفال والنساء والشيوخ أحياء، واستخدام الأسلحة الكيميائية في حلبجة، وجرائم النظام السوري باستخدام الكيماوي في الغوطة ومواقع أخرى، مما أدى إلى قتل وتشريد الملايين من السوريين.
الحروب على مدار التاريخ لها تأثيرات مدمرة تمتد لسنوات، وتخلف الفقر والمجاعة وتدمر الحضارات التي بنتها الأجيال عبر عقود من الجهد والمال والعلوم، سواء كان المعتدي أو المعتدى عليه.
والمفارقة العجيبة في الحروب الحديثة أن الدول الكبرى تدعو إلى "التحلي بضبط النفس" و"خفض التصعيد"، وتُعلن الأمم المتحدة قلقها من التصعيد، فيما يصرح أحد الأطراف بأنه يتعرض لـ"حرب غير قانونية" وكأن الحروب يمكن أن تخضع لقوانين ومعايير أخلاقية!
كل الحروب، في النهاية، تنتهي بالتفاوض والحوار رغم فظاعتها، وكل طرف يدّعي أنه حقق أهدافه، بينما الحقيقة أن الجميع خاسر. لا يوجد في الحرب رابح سوى شركات تصنيع وتصدير وبيع واستهلاك الأسلحة الفتاكة بملايين الدولارات.
في المجمل، يمكن القول إن الحروب تترك آثارًا مدمّرة على الشعوب، تفوق بكثير آثارها على الجيوش والسياسات. فكل حرب، بغض النظر عن دوافعها، تدفع الشعوب الثمن الأكبر من دمائها وأمنها وحياتها. ولذلك، فإن السعي للسلام وبناء جسور الحوار والتفاهم هو الخيار الأفضل لتجنيب الإنسانية ويلات الحروب وتداعياتها المستمرة.
إن قوى السلام معنية بالبحث عن وسائل الحلول القائمة على نبذ العنف، ورفض القتل، والتمسك بالدبلوماسية والحوار. فالحروب لا يوجد فيها رابح، بل كل الأطراف فيها خاسرون، والناجون هم من يدركون أن السلام هو الطريق الوحيد لحفظ كرامة الإنسان وحضارته.