كل فكرة… نار فتنة

كل فكرة… نار فتنة


حسين موسى

سوريا التي أنهكتها الحروب والصراعات، لم تعد ساحةً للأفكار الإصلاحية بقدر ما تحوّلت إلى مسرحٍ للفتن المتجددة. كل مشروع يُطرح تحت شعار الحل، ينقلب سريعاً إلى أداة بيد القوى الإقليمية والدولية، فيما يبقى الشعب السوري الخاسر الأكبر، بين قسوة الداخل وتلاعب الخارج.

كلُّ فكرةٍ في سوريا، مهما بدا ظاهرها إصلاحياً، تتحوّل عند التنفيذ إلى نار فتنة. فالوضع السوري الراهن مليء بالأفكار التي يُفترض أن تقوّم الدولة وتعيدُ بناءَها، لكنّها سرعان ما تُستَخدم كأدوات في صراعات إقليمية ودولية.

منذ سقوط النظام السابق، الذي سفك الدماء وشرد الناس وجرد الإنسان من أبسط حقوقه، دخلت سوريا في لعبة شطرنج معقّدة. ومع مرور الوقت، استثمرت بعض دول الخليج في هذه الفتنة عبر التّقارب مع النظام القائم، ليس بدافع الإعمار الحقيقي، بل بهدف إنهاء الوجود الإيراني.

وقد لعبت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، دوراً بارزاً في هذه الساحة بمنافسة إيران. ورغم أن هذه السياسة إلى حدٍّ ما نجحت في تقليص حجم التدخل الإيراني في سوريا، إلا أنّها تبقى ناقصة ما لم تُقرن بنوايا صادقة للإعمار، لا بمجرد تصفية نفوذ سياسي.

أما فكرة الفيدرالية، التي طُرحت كحل سياسي، فقد تحوّلت إلى سبب للانقسام وسفك الدماء بلا مبرر حقيقي، إذ استُخدمت كذريعة لتصفية طوائف دينية. وفي الساحل ظهرت أيضاً دعوات لتصفية "أتباع النظام"، فتحولت إلى فتنة جديدة استهدفت العلويين. وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف تركيا، التي تعارض الفيدرالية في سوريا خوفاً من انعكاسها داخل حدودها، لكونها تمتلك أكبر جزء من كوردستان، ولذلك تسعى دائماً إلى عرقلة أي مشروع فيدرالي.

أما الوضع الداخلي فمنذ البداية كان بين مدٍّ وجزر؛ مرة مع الشعب ومرة أخرى ضد الشعب. أثناء عقد الحوار الوطني، اختار النظام أناساً على مقاس حكمه، ولم يُشرك جميع فئات الشعب المسكين. وأثناء تشكيل الوزارات، جاء الاختيار من الطبقة الموالية للنظام الجديد واستراتيجيته الدينية. حتى الفترة الانتقالية، التي كان متعارفاً عليها أن تكون ستة أشهر، جعلها خمس سنوات. أما مجلس الشعب فعدد أعضائه 70 يختارهم الرئيس السوري، والبقية يختارهم الشعب.

لو تحوّلت كلُّ الأفكار إلى وسيلة لتقويم سوريا، لكانت البلاد قد قطعت شوطاً كبيراً من الإنجازات. ولو كان هدف دول الخليج فعلاً هو الإعمار، لكانت أنجزت مشاريع خدمية ملموسة. ولو نظرت الحكومة السورية إلى الفيدرالية لا باعتبارها تقسيمًا بل كحق مشروع لكل الشعوب، لما حدثت مجازر الساحل والدروز والكورد.

أما على صعيد الحقوق المدنية والمواطنة، فقد تلاشت تماماً. فالدولة لم تعد تحافظ على حقوق الفرد، لا عبر الدستور ولا عبر المظلة الشعبية المتمثلة بمجلس النواب. وبذلك حُرم المواطن السوري من أبسط حقوقه لأسباب مختلفة، سياسية وطائفية وأمنية، حتى بات مجرداً من قيمته وكرامته.

إنَّ مستقبل سوريا لن يُبنى بالفتن ولا بالصراعات الطائفية، بل بتحويل الأفكار إلى مشاريع إصلاح حقيقية، وبالاعتراف بحقوق جميع مكوّناتها. عندها فقط ستزدهر سوريا بشعبها، وتنهض بعمرانها، ويُعاد بناء اقتصادها على أسسٍ من العدالة والكرامة.
( المقالة منشورة في صحيفة كوردستان العدد 761 )