الصراع في أوكراينا وتداعياته الشرق أوسطية

الصراع في أوكراينا وتداعياته الشرق أوسطية

الصراع في أوكراينا وتداعياته الشرق أوسطية
بقلم : شريف علي

كان ولايزال الشرق الأوسط إن لم يكن في صلب الصراعات الدولية كان واحدا من الجوانب الأساسية للصراع لأاسباب عديدة لا مجال لذكرها الأن ، وها نحن اليوم أمام صراع دولي ربما كان بقي خامدا لفترة زمنية طويلة لكنه تفجر بالغزو الروسي لأوكراينا بمزاعم تأكدت واهيتها مع إطالة أمد الحرب والتضاربات الفافعة بين تصريحات كبار القادة والدبلوماسيين الروس حول ماهية الهدف الذي ارادوه من غزوهم .

فما إن بدأ الحديث عن العمل العسكري الروسي ضد أوكراينا حتى بدأ الذعر ينتاب العالم اجمع بما فيه البلدان الاوربية بتخوفات من الأزمة الاقتصادية المحتملة التي بدأت تداعياتها بالظهور في الشرق الأوسط مباشرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي بالنظر لاعتماد المنطقة على المنتجات الزراعية الأوكرانية والروسية إضافة إلى الانغماس الروسي في أكثر من أزمة سياسية لاتزال قائمة في المنطقة لعل أبرزها الملف السوري وتشعباته الإقليمية .

تلك التخوفات بدأت تتبلور بشكل أو بآخر مع تصاعد وتيرة المعارك واتساع جبهات القتال المترافقة بتطور ملحوظ على صعيد الاسلحة المستخدمة أو استراتيجية الصراع التي بدأت تأخذ منحا دوليا أكبر مع تنامي خطوط مشاركة بلدان مجاورة لأوكراينا في الصراع والذي ترجح كافة المؤشرات الميدانية والسياسية والاقتصادية الى انسحابه على مجمل القارة الأوربية وبالتالي العالم برمته بما ينذر بحرب عالمية ثالثة كما تعكس ذلك غياب أية دلائل للانفراج .

فروسيا التي لن تقبل بالهزيمة كنتيجة حتمية لغزوها لاوكراينا وفشل مشروعها التوسعي الذي اكده الرئيس بوتين في خطابه اثناء الاحتفال التقليدي بذكرى بوم الانتصار على المانيا النازية المصادف 9 ايار 1945 في الحرب العالمية الثانية عندما اكد ان "الجيش الروسي يخوض حرب الدفاع عن الوطن الأم " متجاوزا صيغته في وصف غزوه لااوكراينا بعملية خاصة تستهدف اقتلاع النازية الجديدة من اوكراينا في اشارة الى منظومة الحكم القائمة في كييف برئاسة فلادومير زيلينسكي التي تساندها اوربا وامريكا ، هذه بالتزامن مع اشتداد حدة المعارك في الجنوب والجنوب الشرقي من اوكراينا وتحديدا على ميناء اوديسا المنفذ البحري الأوكراني على البحر الأسود والممر الروسي الى المياه الدافئة والذي دفع برئيس المجلس الاوربي ،والذي نجا من احدى الغارات الروسية على المدينة الى تاكيد استمرارية المساندة الأوربية لاوكراينا عندما صرح ومن نفس تلك المدينة موجها كلامه للشعب الآوكرايني " أنتم لستم وحدكم ، الإتحاد الأوربي إلى جانبكم " تأكيد سبقته تصريحات مدوية لكبار المسؤولين الأوربيين جميعها تؤكد استحالة الانتصار الروسي في الصراع الذي افتعلته في اوربا لأهدافها التوسعية.

من جهنها روسيا التي لم تتوقف عن تصعيد الموقف يوما يعد يوم مع تزايد حدة العقوبات الغربية عليها وارتفاع معدل خسائرها المادية والبشرية مع اخفاقها في احراز اي تقدم ملحوظ ميدانيا لم تقف مكتوفة الايدي سواء على الصعيد العسكري بتكثيف حملاتها و التبديلات في تتكتيكاتها ومحاور جبهاتها أو الصعيد الدبلوماسي والجولات الخاطفة لوزير خارجيتها سيرغي لافروف للعديد من الدول الافريقية والشرق اوسطية ولقاءات سفرائها مع كبار المسؤولين في دول اخرى ذات العلاقة بمسألة الطاقة تحسبا لامكانية ان تصبح بديلا للمصدر الروسي إلى اوربا ،بعد ان أصبحت امام خيارين اهونهما اكثر فتكا بها من الاخر ، اما استمرارية الحرب بصورتها القائمة والاستنزاف المميت لطاقاتها حتى تنهار داخليا وتتفكك الدولة الى كيانات هزيلة تلملم جروحها ونصبح امام خارطة جديدة لمنطقة الصراع. او تقدم على ضربة استباقية على ضوء ما يمكن اعتباره "عملية انتحارية " في ظل استحالة تحقيق اي انتصار في عمليتها العسكرية أو حتى العودة إلى مرحلة ما قبلها بالنظر إلى التغيرات الحادة التي افرزتها عمليتها الإجتياحية على الساحة الدولية من تغيرات جيوسياسية ، تلك التي باتت تتطلب استجابة تشاركية في جميع انحاء العالم من منظور حماية القانون الدولي والإلتزام به على قاعدة حشد الإجماع الدولي التشاركي لردع أي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة بغية التوصل لحل الآزمات العالقة حول العالم ومنها قضايا الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب ،وهو ما يبدو منسجما مع التوجه الامريكي ورعايتها لتلك الإستجابة بمنهجية تكون الأساس للتحركات المستقبلية على ضوء كل ما يستجد ميدانيا خاصة وان الصراع لم يعد ايديولوجيا على غرار مرحلة الحرب الباردة وانما بات يخضع لمعيار مدى الإلتزام بالنظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة.وهو الأمر الذي تجاوزته إدارة بوتين التي استندت على رهانات خاسرة لدعم مشروعها التوسعي ببسط النفوذ على المنطقة التي تضمن سلسة وصولها للمياه الدافئة ،من خلال التوجه لإحياء محاور إقليمية منهارة أصلا ،تعود للحقبة السوفيتية.

لكن التجذر الغربي في المنطقة المعنية والتي ازدادت ترسيخا في مرحلة ما قبل الصعود الروسي بقوة على المسرح العالمي كذلك التطورات الأخيرة على الساحة الأوكراينية دفعت بدورها السياسة الغربية للاسراع في العمل على إعادة الهيكلة السياسية للمنطقة والخروج بخارطة جديدة على ضوء إستجابة غالبية قواها الإقليمية لمشروعها التشاركي في الوقوف بوجه الأطراف المتمردة على النظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة .والإلتفاف على المحاولات الروسية تحديدا في امكانية إعادة انتاج صراع الحرب الباردة في المنطقة ووفق الخارطة الإقليمية التي انبثقت عن اتفاقية سايكس بيكو، التي لم تعد معترفة عمليا من جانب الإدارة الأمريكية، لا بل سعت إلى طمس معالمها بدعم اوربي غربي منذ تغلغلها العسكري في المنطقة لقيادة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وهو ما اكدته تسلسل الأحداث وتبدلات خريطة انتشار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (د ا ع ش) ثم انحساره على يد القوات الأمريكية تحديدا التي ابقت على تلك المناطق بحمايتها محددة بذلك معالم لخارطة مستقبلية للشرق الأوسط تتضمن حدودا لدول وكيانات جديدة ذات سيادة،يتطلب ترجمتها على ارض الواقع إجماع دولي واقليمي خارج اطار التحالف وهو ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة من خلال استغلال الوقعة الروسية في المستنقع الأوكراني وفشل مشروع بوتين عبر دفعه نحو نفق ضيق ينتهي بتصدع حتى الاتحاد الروسي ذاته ،لتحييد دورها عالميا وفي المنطقة تحديدا على أقل تقدير وبالتالي اخضاع الأطراف التي كانت تعول عليها لإرادة التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
15 / أيار /2022